الخميس 25 أبريل 2024
توقيت مصر 13:57 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الإرهاب البيولوجى عبر التاريخ

يبدو أن الرعب الذى سببه فيروس كورونا للعالم قد أيقظ من جديد مخاوف حدوث حرب بيولوجية أو جرثومية تؤدى إلى إبادة ملايين البشر. وقد أدرك الإنسان منذ العصور القديمة خطورة هذا النوع من الحروب دون أن يعرف ماهيتها وإمكانياتها، فكان يلجأ إلى استخدامها بصورة بدائية، فقد كان (الحيثيون) فى الفترة من (1500- 1200) قبل الميلاد، يأخذون المصابين بداء التلاريات (تولاريميا) (tularemia) إلى أرض الأعداء لنشر العدوى، وكذلك فعل الأشوريون الذين كانوا ينشرون مرض الإرجوت. وهناك بعض المصادر التى تؤكد أن المغول أيضًا استخدموا ذلك السلاح. وفى العصر الحديث استمر استخدام ذلك العمل العدائى بطرق مختلفة، فقد استحسن الجيش البريطانى هذا النوع من الحروب فى الحرب الفرنسية الهندية عام 1763 حيث استخدموا داء الجدرى كوسيلة لاستهداف أعدائهم. وقد كان للألمان محاولات فى الحرب العالمية الأولى (1914-1918) لنشر الجمرة الخبيثة(anthrax) .
وقد كانت هناك محاولات من بريطانيا والولايات المتحدة فى الحرب العالمية الثانية لتطوير برنامج السلاح البيولوجي. كما كان لليابان هى الأخرى محاولات لتطوير برامج مشابهة، وخاصة الوحدة 731 التى قامت بعمليات مرعبة ضد بعض السكان فى شرق الصين وكانت اليابان تنوى استخدام ذلك السلاح البيولوجى ضد الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة من الحرب(1945) فى مدينة سان دييجو وكاليفورنيا لكن اليابان أعلنت استسلامها. وعلى الرغم من وجود معاهدات تحظر استخدام الأسلحة البيولوجية، فإن هناك الكثير من الشبهات حول بعض الدول التى تقوم بعمل أبحاث وبرامج تطوير سرية لتلك الأسلحة الفتاكة، ومع تنامى ظاهرة الإرهاب أصبح هاجس امتلاك الإرهابيين لهذا النوع من السلاح يقلق الكثير من دول العالم، ولهذا فقد حذر العالم البيولوجى ستيفن بلوك الدول الكبرى من هذا الأمر الذى ينبغى أن يوضع فى حساباتهم.
ولم تقتصر مخاوف استخدام الأسلحة البيولوجية على العلماء والساسة فقط، بل امتدت تلك المخاوف إلى الفنون والآداب، فهناك الكثير من الأفلام السينمائية التى تناولت قصصًا مرعبة   تجمع بين الخيال و الواقع عن حروب بيولوجية، ومنها فيلم رجال وراء الشمسMen behind the sun  للمخرج الصينى تى إف مو الذى يحكى فظائع الوحدة 731 التابعة للجيش اليابانى، وكذلك فيلم فلسفة السكين philosophy of knife وهو فيلم روسى أمريكى، ويتناول القصة ذاتها، وعدة أفلام أخرى تدور حول فظائع الوحدة 731 اليابانية فى الصين ، كما صدرت عدة كتب توثق لتلك الفترة المخيفة من (1933-1945)، منها كتاب الوحدة 731 مختبر الشيطان  The laboratory of the Devil للكاتب الصينى يان جون يانج و هو الكتاب الذى اقتبسته كثير من الأفلام.
وقد امتد شبح الحروب البيولوجية ليشمل عالم الأدب والروايات والكتب، ومنها رواية سلالة أندروميدا  The Andromeda stra لمايكل كرايتون وهى رواية خيالية تحكى قصة فيروس قادم من الفضاء ويهدد الجنس البشري، ورواية الطاعون الأبيض white plague  لـ جيمس آبل ، وعشرات الروايات الأخرى يانج يان. لكن المثير أن ستيف بانون أحد مستشارى الرئيس الأمريكى ترامب سابقًا، فى أحد لقاءات البود كاست الأمريكية حدث حوار بين ستيف بانون المستشار السابق للرئيس ترامب مع مضيفه، حيث يتهم بانون معهد ووهان الصينى لدراسة الفيروسات Wuhan Institute of Virology بأنه هو المتسبب فى تخليق  الفيروس حيث إن هناك برنامجًا سريًا، وهى الفرضية التى رفضتها صحيفة الواشنطن بوست و مجلة الفورين بوليسى والتى وصفتها بأنها تفشى هراء  outbreak of nonsense، وقد استندت الصحيفة إلى شهادة أحد خبراء الهندسة الوراثية والكيمياء الحيوية بروفيسور ريتشارد إبرايت  Richard Ebright  حيث قال: بناء على خريطة الجينوم وخواص الفيروس ، فإنه لا يوجد أى دليل على أن الفيروس مخلق وراثيا.
“based on the virus genome and properties there is no indication whatsoever that it was an engineered virus
ومع ذلك فإن بانون يصر على الترويج لتلك الفرضية التآمرية زاعمًا أن معهد يوهان يقوم بعمل أبحاث عن الحروب البيولوجية، وقد استضاف بانون  فى برنامجه (بود كاست) war room صديقه ورجل الأعمال الصينى الملياردير المعارض Guo Wengui جيو ونجى، وهو مقيم فى الولايات المتحدة ليشن هجومًا عنيفًا على الحزب الشيوعى الصينى Chinese Communist Party (CCP)  وعلى الرئيس الصينى متهما إياهم بإخفاء الحقائق، وأن أرقام الضحايا المعلنة مزيفة، وأن الحقيقة أن الآلاف يموتون يوميًا، وأن الملايين قد أصيبوا بالفيروس، كما طالب جو ونجى العالم الغربى بمساعدة الصينيين بشتى الوسائل من أجل إنقاذهم من الفكر الانغلاقى للحزب الشيوعي. ومن الواضح أن المعارض الصينى يصفى حسابات سياسية مع الحزب الشيوعى الصيني، فهذا الضجيج الذى يمارسه فى القنوات الأمريكية ليس من أجل الإنسانية التى يتباكى عليها، فلم نسمع له صوتا تجاه العديد من الكوارث الإنسانية فى مناطق أخرى، وهى سمة الحداثة الغربية التى تمارس نوعًا من الإنسانية الانتقائية. وقد أعاد فيروس كورونا إلى الأذهان الأنفلونزا الإسبانية  Spanish flu  التى تفشت عام 1918م، وتسببت فى قتل حوالى 500 مليون شخص فى أنحاء العالم وفق بعض التقديرات. ويبدو أن دراما فيروس كورونا سوف تستمر فى تقديم الدهشة والإثارة على كافة المستويات السياسية والفنية والأدبية.