الأربعاء 24 أبريل 2024
توقيت مصر 00:34 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

حركة الإصلاح الثقافي

في الوقت الذي كان ينادي فيه بعض المثقفين العرب بالاحتفال بمرور مائتي عام على الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)م ، لأنها – من وجهة نظرهم - أحدثت صدمة حضارية للمصريين و العالم العربي ، حتى استيقظ الأزهريون على أصوات مدافع بونابرت وهم يهتفون : يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف، وفي الوقت الذي طالبوا فيه بحركة إصلاح ديني على غرار حركة لوثر في أوروبا ، لم يلتفت هؤلاء المثقفون إلى الصدمة الحضارية التي أحدثها الإسلام في أوروبا على مراحل مختلفة بدءا من حركة ترجمة الكتب العربية لكبار العلماء العرب والمسلمون للغة اللاتينية حتى بلغت الصدمة الحضارية ذروتها بتوغل الإمبراطورية العثمانية في أوربا ووصولها إلى حدود فيينا ، وهو الأمر الذي تسبب في بروز حركة الإصلاح الديني ، وقد أشرنا من قبل إلى أقوال بعض الباحثين الذين يرون أن الإصلاح الديني في العالم الغربي لم يكن ليحدث دون الاحتكاك الفكري و السياسي و العسكري بالعالم الإسلامي ، الذي نقل إلى العالم الغربي أفكارا جديدة لم يسمع بها من قبل مثل  الحرية و المساواة و العدل والتسامح ومحاربة الخرافات،وهي الأمور التي تضمنتها وثيقة أو مقترحات لوثر عام 1517 Disputatio pro declaratione virtutis indulgentiarum والتي تضمنت خمسة وتسعين مقترحا وتعليقا على فساد الكهنوت الديني ورجال الدين .و بتأمل هذه الأفكار والأطروحات ، فإننا نجد مدى تأثر لوثر بالأفكار الإسلامية على المستويين العقدي و التشريعي ، حتى إنه نادي بتقليص سلطة رجال الدين وبالمساواة بينهم وبين عوام الناس ، وطالب  بإباحة الطلاق ، وضرورة زواج رجال الدين ، والكثير من الأفكار التي تعطي مزيدا من التحرر و إعمال العقل ما كان له أثر في قيام بعض حركات التمرد والحركات الثورية ضد التقاليد الدينية . لقد جهل أو تجاهل المثقفون العرب الدور الحضاري والتنويري الذي أحدثته تلك الأفكار الإسلامية تطبيقا للنص القرآني (لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) ، ونادوا بحركة  إصلاح ديني في الإسلام ذاته ! لقد جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بمظاهر تقنية مثل المطابع و المدافع وغير ذلك من مظاهر التقدم التكنولوجي ، أما القيم الحضارية الكبرى في من صميم الثقافة الإسلامية ، وهي القيم التي ساهمت في التفوق العلمي للحضارة العربية و الإسلامية في عصرها الذهبي Golden age  في مجالات الطب والفلك و الهندسة وحساب المثلثات وغيرها من العلوم . وفي الحقيقة فإن الخطاب الثقافي العربي وليس الدين هو الذي يحتاج إلى حركة إصلاح جذرية تنتشل الأمة من هذا التهافت الثقافي الذي يسيطر على المشهد العربي . لقد عجز المثقفون العرب عن تقديم مشروع سياسي وحضاري يعيد الاعتبار للأمة العربية ، و انعزلوا بشكل واضح عن جماهير الأمة وتطلعاتها إلى حياة كريمة ، ولم يكن لدى هؤلاء المثقفين إلا مقولات سطحية تدور في فلك الفن التافه و الأدب الهابط والفقاعات الثقافية الجوفاء ، أما جوهر المشروع الحقيقي والذي يركز على احترام الديمقراطية ويدعو إلى التعددية وقبول الآخر و يحارب الاستبداد فهي غائبة عن الخطاب الثقافي العربي . لقد استطاعت الجماهير العربية الآن أن تكون أكثر وعيا وثقافة من تلك النخبة المزيفة ، أما تلك الأسماء اللامعة والتي تتردد في الإعلام العربي ليل نهار فهي في حقيقتها أدوات لخدمة مشروع التخلف العربي ، كما أنها لم يعد لها أي تأثير حقيقي في الشارع العربي وخصوصا مع ظهور الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي .  نحن لسنا في حاجة إلى حركة إصلاح ديني بل  في حاجة إلى  حركة إصلاح ثقافي .