الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 04:32 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الدولة الأموية..(الدولة فى خدمة الأمة)

كان هدف تكريس فكره(الدولة المركزية) ذو أولوية قصوى لدى الامويين ,, الفكرة كانت بالطبع تسكن راس معاوية رضى الله عنه من طول جيرته للدولة البيزنطية فى امارته الطويلة للشام(20 عاما) بقرار من عمر بن الخطاب رضى الله عنه .. ولعل السعى لهذا الهدف هو ما جعلهم  يعرفون تاريخيا بأنهم أصحاب نظريه أول ملك جبري فى الاسلام ..حديث الوسيلة والغاية هنا قد يفتح علينا نوع من الثرثرة التائهة تذهب بنا بعيدا عن فهم لحظة التشكل الاولى لأكبر دولة فى تاريخ الاسلام .  
على أن أكثر خلفاءهم تميزوا بأنهم كانوا(رجال دولة) علي مستوي المسئولية كحكام فى القيام على مصالح الناس أو فى الفتوحات أو في صون الدين والعمل على إقامته  ,,سنرى فيهم صفه من أهم صفات القائد والسياسى: التفتح العقلي والاستعداد الطبيعي لاستيعاب تجارب الغير وخبراتهم .. ولعلنا نذكر حوار معاوية مع عمر بن الخطاب رضى الله عنهما وقت ولاية معاوية على الشام
أهم وأعظم ما سجله الأمويون على صفحات التاريخ هو جهدهم الهائل في ميدان الفتوحات..فرغم المصاعب الكثيرة التي واجهتم فى طريق تحقيق وحده الأمة والتمكين لفكره الدولة المركزية كما ذكرنا..رغم كل ذلك فقد قاموا بفتوحات تاريخيه عظيمه غيرت الخريطة السياسية للعالم ..فرفعوا راية الإسلام من الصين شرقا الي الأندلس وجنوب فرنسا غربا ومن بحر قزوين شمالا حتي المحيط الهندي جنوبا..
***
جهدا هائلا.. نستطيع أن ندرك ضخامته من تقدير ما يلزم تلك الجيوش الفاتحة من إعداد للقيام بما قامت به .
ومن المهم بمكان أن نعلم أن هذه الفتوحات لم تكن أبدا غزوا عسكريا لبسط النفوذ واستغلال ثروات الشعوب وإكراههم على دين جديد( اقرؤوا فى هذا مقالا رائعا ليورى افنيرى الكاتب اليهودى بعنوان  سيف محمد وخرافة الشر عند البابا)
كان فتحا حضاريا بالدرجة الأولى..وهو ما ظهر فى معاملة أبناء البلاد المفتوحة..من احترام لهم وصون لعاداتهم وعقائدهم ومعابدهم الأمر الذي هيأهم فيما بعد لقبول الإسلام دينا لهم عن رضى واختيار كاملين..
نجح الأمويون فى صهر الداخلين الجدد فى الإسلام الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع العرب فى حمل الفكرة الإسلامية والعمل على تحرير الشعوب ألمستضعفة ظهر ذلك مع الفرس والأقباط والهنود والبربر.. وباقى القوميات الأخرى وكان هذا التعاون الوثيق بين العرب وبين العناصر المسلمة الجديدة في ظل الدولة الإسلامية من أقوى الأسباب في مد نطاق الفتوح الإسلامية في هذا الطور الثاني الذي تضاعفت فيه رقعة الدولة الإسلامية ..

***
سنذكر لبني أمية الفضل في توحيد ثقافة العالم الإسلامي الجديد على امتداد رقعة واسعة من الأرض تضم شعوباً عديدة وثقافات متنوعة .. تعرضت لتأثيرات يونانية ورومانية وسريانية وآشورية وكان هذا ناتجا من إحساس عميق بالقيم الفكرية والخلقية للتراث العربي والمعرفة الواسعة بالإسلام الدين والرسالة والحضارة  والرغبة الصادقة في أداء الواجبات الرئيسية لحكمهم والتي تتمثل كما ذكرنا في حماية الدين والعمل على نشره  وإقامة الحياة العادلة بين الناس ..
عمل الأمويون على إنشاء المؤسسات التي تقوم على ترسيخ الإسلام ونشر اللغة العربية بين المجتمعات الإسلامية الجديدة فأكثروا من فتح الكتاتيب وأولوا عناية خاصة لأعلام الفكر والأدب وحافظوا على المدارس الأجنبية وعدم التعرض لنشاطها مما ساعد تلك المدارس على الاستمرار في أعمال الترجمة والاستعانة بأهل البلاد المفتوحة من عرب وغيرهم للمساهمة في المجالات الحياتية الجديدة وأعطوا للعلوم الإنسانية عناية متميزة فظهرت علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والسير والمغازي وكانت العناية بتلك العلوم فى هذه الفترة ضرورية بغرض تعميق المعرفة بالدين الجديد.
كل ذلك ادى الى المسارعة بتكون عالم اسلامى واحد أخذ يشق طريقه نحو الوحدة الاجتماعية والثقافية الكاملة..عادات وتقاليد وأخلاق ومعاملات ..وصهر الإسلام الجميع فى مبادئه وقيمه وأخلاقياته السامية الرفيعة وحقق للجميع العزة والكرامة والحرية والمساواة فى إطار حضارة رائده وأمه واحده..

***
لا يمكن لهذا الحديث أن يأخذ مراده دون الحديث ولو بشكل سريع وعابر الى استخلاف معاوية رضى الله عنه لإبنه يزيد..
بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون بعده ورأى أنه إن مات قبل أن يحسم مسألة خلافته قد تتجدد الفتنه ثانية فقام رضي الله عنه باستشارة أهل الشام فاقترحوا أن يخلفه أحد من بنى أميه..أيا من كان .. فرشح ابنه يزيد فوافق عليه الجميع عدا أهل المدينه(الحسين بن على وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عباس)وكان اعتراضهم على الفكرة نفسها (الأب وأبنه)لا على يزيد بعينه..الحديث اذن عن أهليه يزيد لم يكن موضع خلاف كما تحدثت بعض الكتب.

***
فها هو(محمد بن الحنفيه) الاخ غير الشقيق للحسن والحسين من على بن ابى طالب يقول عنه : قد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة .
كما ان خروج صحابة بحجم عبد الله بن الزبير وعبد الله ابن عباس و ابن عمر وأبو أيوب الأنصاري فى جيش تحت قيادته لفتح القسطنطينية دليل على ان الرجل كان يتصف بالاستقامة ويتمتع بالكفاءة والمقدرة ,, وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد .
الأستاذ محب الدين الخطيب علق على هذا الموضوع قائلا (اذا كان مقياس الأهلية  للحكم على يزيد أن يبلغ مبلغ أبي بكر و عمر في مجموع سجاياهما فهذا ما لم يبلغه في تاريخ الإسلام أحد و لا عمر بن عبد العزيز حتى ,,  وإن طمعنا بالمستحيل وقدرنا إمكان ظهور أبي بكر آخر وعمر آخر فلن تتاح له بيئة كالبيئة التي أتاحها الله لأبي بكر و عمر وإن كان مقياس الأهلية الاستقامة في السيرة والقيام بحرمة الشريعة والعمل بأحكامها والعدل في الناس و النظر في مصالحهم والجهاد في عدوهم وتوسيع الآفاق لدعوتهم والرفق بأفرادهم و جماعاتهم فإن يزيد لم يكن اقل من غيره فى ذلك)..

***
لم يغفل بن خلدون التعليق على هذه الحادثه المهمة فى التاريخ الاسلامى .. فقد رأى بداية أن الفترة النبوية فترة استثنائية انتصر فيها(الوازع الديني) على(العصبيه القبلية) ولما بدأ هذا الوازع  الدينى يقل عند الناس كان لابد من عودة قانون العصبية إلى مسار التاريخ مرة ثاني ويقول : والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم ,, ولا يظن بمعاوية غير هذا  فعدالته و صحبته مانعة من سوى ذلك ,, وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريبه منه,, فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق فإنهم - كلهم - أجلّ من ذلك و عدالتهم مانعة منه).
ويبقى التاريخ حكما وميزانا فى مشروعية الاعمال وعدم مشروعيتها ..فاستشهاد الحسين وجرأة الحجاج والتعامل غير المنصف مع غير العرب خاصة فى سنواتها الاخيرة مما يأخذه الكثيرون على تلك الدولة التى حكمت نصف الارض باسم  الأمة والاسلام والعروبة.