الأربعاء 17 أبريل 2024
توقيت مصر 00:40 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

صراع على كسب العقول والقلوب

«حرب الدراما».. مكايدة سياسية أم توثيق تاريخي؟

ممالك النار

المسلسل التركى «قيامة أرطغرل» حقق نسبة مشاهدات ضخمة فى العالم العربى.. و«قيامة عثمان» يسعى لاستكمال النجاح بوجوه جديدة

إنتاج سخى لـ «ممالك النار» للرد على أكاذيب الدراما التى تسعى لتجميل وجه «الدولة العثمانية»

حرب، لكنها ليست حربًا تقليدية يُستخدم فيها السلاح تدور رحاها بين "قوتين ناعمتين"، يريد أن يحسمها كل طرف لصالحه في النهاية، من خلال الوصول إلى قلوب وعقول المشاهدين معًا.

إنها حرب الدراما المشتعلة على الشاشات العربية التي لا يخفى على المتابع أهدافها، والتي تأتي كأحدث حلقة في مسلسل الاستقطاب الحاد الذي تمر به المنطقة منذ سنوات، ومحاولة الأطراف الفاعلة أن تبرهن على وجهة نظرها بطريقة "ناعمة"، بعيدًا عن الخطاب السياسي "الجامد"، الذي لا يستسيغه كثيرون، أو بالأحرى أقل تأثيرًا من الدراما.

فبعد النجاح الكبير الذي حققه المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل"، الذي يحكي مرحلة التمهيد لتأسيس الدولة العثمانية، والصراعات التي خاضها والد المؤسس "عثمان"، جاء عرض مسلسل "ممالك النار"، الذي يدور قصته حول سقوط دولة المماليك في مصر في أيدي العثمانيين في بدايات القرن الـ16 الميلادي.

 ويستعرض المسلسل، فترة حكم السلطان العثماني سليم الأول والمعارك التي خاضها، ويقدم التحولات الكبرى في تاريخ المنطقة بعد معركة جالديران بين العثمانيين والدولة الصفوية، وحتى معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك.

ويأتي عرض "ممالك النار" الذي أنتجته شركات من الإمارات والسعودية، بالتزامن مع عرض مسلسل "قيامة عثمان"، والذي يأتي استكمالاً لمسلسل "قيامة أرطغرل"، ويروي قصة قيام الدولة العثمانية.

ويقول مراقبون، إن عرض المسلسلين في توقيت متزامن يأتي في إطار ما يصفونه بـ "المكايدة السياسية"، ففي الوقت الذي يمجد "قيامة عثمان"، الدولة العثمانية، ويتناول – من وجهة نظر الجهة المنتجة له - بسالة جيشها وحفاظها علي الدين، يأتي "ممالك النار" ليظهر الجانب الآخر، متناولاً الصراع بين الأخوة للوصول إلى الحكم، وكيف كان العثمانيون يسمحون بزواج الفتيات قبل بلوغهن تسع سنوات.

ويرى المراقبون، أن "ممالك النار" ظهر كرد على النجاح الكبير "دراميا" الذي حققته المسلسلات التركية التاريخية كـ"القرن العظيم"، و"أرطغرل" و"السلطان عبد الحميد الثاني" وغيرها من المسلسلات، التي جعلت تركيا تحتل المركز الثاني عالميًا، بعد الولايات المتحدة، في ترتيب الدول الأكثر تصديرًا للمسلسلات.

ووصلت المسلسلات التركية للمشاهدين في 146 دولة حول العالم بأوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والشمالية، ويبلغ عدد متابعيها أكثر من 700 مليون مشاهد، وفق تقرير لوكالة "الأناضول".

"جبرة": الدراما تكشف المستور والأبطال المزيفين

 بداية، يقول الكاتب ماهر جبرة، المتخصص في الشئون العربية، إن "الأعمال الدرامية تساعد في كشف المستور في التاريخ، وتوصله بشكل أسرع للمشاهدين".

وأضاف، أن "مسلسل "ممالك النار" مثلاً كسر الصورة المثالية المصطنعة عن الخلافة العثمانية، التي رسختها الدراما التركية خلال السنوات الماضية من خلال مسلسلات مثل "قيامة أرطغرل"؛ فالكثير ممن لازلوا يحلمون بعودة الخلافة لا يروون في تاريخها سوى قصصًا رومانسية حالمة عن أبطال عسكريين، أخضعوا خصومهم بالقوة، وأنهم فعلوا ذلك فقط من أجل نصرة الدين على أعدائه، على خلاف وقائع التاريخ التي تنفي هذه الصورة".

وتابع "جبرة": "الحقيقة أنه لو قرأ هؤلاء التاريخ بدقة لما تمنوا رجوع هذه الخلافة ولو ليوم واحد، فهؤلاء مثلاً لا يتذكرون، أو ربما لا يحبون أن يتذكروا، كيف قتل بعض هؤلاء "الأبطال" إخوتهم من أجل السلطة، كما في حالة سليم الأول، أو في حالة جده محمد الفاتح، الذي سن قانونًا يعطي لمن يحكم الحق في قتل إخوته الذكور لحفظ سلطته، وكان نصه كالتالي: "وإن تيسرت السلطنة لأحد من أبنائي، فإنه ومن أجل المصلحة العامة يصح له قتل إخوته، إن هذا قانون آبائي وأجدادي، وهو كذلك قانوني، ولقد جوز أكثر العلماء ذلك، فليعمل بموجبه حالا".

وقال "جبرة" في مقال منشور على موقع "الحرة"، إن "سليم الأول قتل آلاف المصريين بمنتهى الوحشية وسمح لجنوده بأن ينهبوا بيوت المصريين وخيراتهم، بالإضافة إلى خطف صناع الحضارة في مصر، بأن نقل شيوخ الحرفيين وأصحاب المهن والصناع المهرة المصريين لإسطنبول عنوة، مما تسبب في اختفاء حوالي 50 حرفة من مصر".

وأشار إلى أن "القاهرة كان بها شارع باسم سليم الأول في حي الزيتون، لكن الدكتور محمد صبري الدالي أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة حلوان طالب محافظة القاهرة بإزالة اسمه"، لأن "السلطان سليم الأول جرد مصر من استقلالها، وجعلها ولاية تابعة للدولة العثمانية، فضلاً عن قتله آلاف المصريين خلال دفاعهم عن بلادهم". وبالفعل تم تغيير اسم الشارع إلى شارع "شهداء الوطن".

وتساءل الكاتب: "هل سيكون المسلسل فرصة لفتح حوار عن حقيقة ما فعله العثمانيون في مصر؟ وهل سيشجعنا على إعادة قراءة تاريخنا بشكل علمي ومحايد لنحدد من يستحق التكريم ومن لا يستحق؟ وهل سيشجعنا على إعادة تعريف مفاهيم صارت شبه مقدسة مثل مفهوم الفتح باسم الدين؟ أتمنى ذلك.

دويدار: الصراع بالمنطقة انتقل إلى حلبة الدراما

من جهته، يرى المخرج والسيناريست، عز الدين دويدار، أن الأعمال التاريخية عادة ما تقدم التوثيق التاريخي في الصورة الدرامية التي يتخللها بعض الإضافات التي لا تذكر في التاريخ.

وأضاف دويدار، أنه "بالنظر إلى مسلسل ممالك النار الذي أثار جدلاً في الفترة الأخيرة خاصة، ومع عرضه في نفس توقيت عرض قيامة عثمان، انتقل صراع الاستراتيجيات بين الدول إلى حلبة الدراما، إذ يعتبر أول مسلسل يُنتج بشكل مباشر بغرض الاستهداف المكشوف والواضح للمشروع التركي".

وأوضح أن "ممالك النار يهدف في المقام الأول لكشف الدولة العثمانية"، قائلاً: "المسلسل يعد ضربًا في جدار النموذج التركي أو الأهداف الاستراتيجية التركية"، لافتًا إلى أن تكلفة إنتاج المسلسل وصلت إلى 40 مليون دولار "جاءت من أجل تنفيذ أجندة سياسية ولا علاقة له بأي هدف آخر اقتصادي أو فني أو ما إلى ذلك".

وأشار دويدار إلى أنه من ضمن الأخطاء في مسلسل ممالك النار الاعتماد على قصة طومان باي تحديدًا، لأنه شخصية شركسية وليس بمصري ولا عربي، والحقبة التي يمثلها هي حقبة المماليك والشراكسة، وهم القادمون من المنطقة التي ينحدر منها أيضا العثمانيون الأتراك".

وأضاف: "من ضمن الأخطاء أيضًا أن "المصريين لم يكن لهم وضع في تلك الحقبة ولا يوجد راية عربية أو وطنية معينة تحت ذلك الصراع، والذي يهدف المسلسل إلى تغييره ليكون صراعًا عربيًا مقابل احتلال تركي أو عثماني"، بالإضافة إلى أن "ممالك النار يحاول إظهار طومان باي على أساس أنه مصري من خلال كلامه باللهجة العامية، وأنه يحارب ويدافع عن مصر، وهذا فيه كذب وتضليل، حيث لم تكن المسألة كذلك".

الحوفي: العرب لا يقرؤون تاريخهم 

في السياق، قالت الكاتبة نشوي الحوفي، إن "الأعمال الدرامية التي تهتم بالتاريخ تعطينا فرصة للعودة لمعرفة حقيقة الأمور، خاصة في الوطن العربي الذي لا يقرأ ناسه تاريخهم القريب والبعيد، ولكنهم يكتبون التاريخ وفق أهواء البعض، وقبول أو رفض البعض الآخر في ظل غياب منطق وسرد وقائع وتسجيل أحداث".

وأضافت، أن "مسلسل ممالك النار يستحق المشاهدة لاكتمال عناصر الإنتاج الصحيح، فضلاً عن كشفه حقيقة الخلافة العثمانية التي تتاجر بالدين والشعوب العربية".

وتابعت الحوفي: "العمل الدرامي مهم جدًا، ليكشف هل كان لا بد أن ترتكب تركيا دولة السلطنة العثمانية تلك الأفعال الموصومة بالخيانة والبلطجة السياسية المقرونة بالاتجار بالدين والشعوب العربية فى عصرنا الحالي، حتى ندرك فى عالمنا العربى حقيقة ما سموه زورًا باسم الخلافة العثمانية؟ هل كان لا بد أن نستشعر الخطر من ذلك الجار الإقليمي حتى نتذكر مجازر الأتراك العثمانيين وبشاعة حكمهم في داخل إمبراطوريتهم وخارجها؟ هل كان علينا الانتظار سنوات لنعيش الحسرة على أوطان عربية تتحطم وتُحتل وتُخرب بيد الأتراك حتى ندرك زيف ما كتبوه وكتبناه من تاريخ؟".

وأشارت إلى أن "هناك العديد من الشوارع في مصر والدول العربية تحمل اسم سليم الأول علي الرغم من أنه معروف فى التاريخ للعالم أجمع بأنه سفاح كاد يقترب من الجنون، قتل إخوته وعادى أباه السلطان بايزيد بن الفاتح، وأجبره بدعم الإنكشارية العثمانية على التنازل له عن العرش العثمانى عام 1512، وكانت أول قرارات سليم الأول قتل إخوته وأولادهم خشية منازعته الحكم، تمامًا كأسلافه".

لكن الحوفي شددت على أن "العودة للتاريخ لا ينبغي أن تتوقف عند مرحلة الشرح والتوضيح بالحقائق لوقوع الاختلاف السياسي، بل لوجوب التوعية والفهم لحماية الأوطان والشعوب".

عبدالمالك: غزو ثقافي وتزييف للتاريخ

من ناحيته، دافع محمد سليمان عبدالمالك، كاتب سيناريو مسلسل "ممالك النار"، عن المسلسل قائلاً: "السنوات الأخيرة شهدت غزوًا ثقافيًا تركيا من بوابة الدراما الجيدة التي روّجت لوجهة نظر أطراف متأسلمة لا تخلو من تزييف وقراءة متحيزة تعكس وجهة نظر مقدّمها وتخدم مصالحه".

واعتبرت أن "المسلسل حجر زاوية في معركة شاقة لبناء وعي حقيقي للمواطن العربي نحو تراثه وماضيه، ومواجهة تسويق الدراما التركية للشخصيات العثمانية بصورة ملائكية تخالف الحقيقة، فـ"الفتح العثماني" لم يكن إلا غزوًا واحتلالاً تضمّن مجازر ارتكبتها القوات الغازية في حق الشعوب العربية التي خضعت لولايتها".

ويرى مؤلف المسلسل، أن "كتّاب الدراما العربية اتبعوا منطق السلبية إزاء التمدّد الفني التركي الذي لا ينكر أحد أنه جيد على مستوى الصناعة، وحينما انتبهوا للمخاطر اقتصر سلوكهم على المقاطعة فقط، رغم أن معركة الوعي لا يمكن مواجهتها إلا بالوسيلة ذاتها فـ"لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد".

وأشار عبدالمالك في تصريحات نشرتها صحيفة "العرب" إلى أن "ممالك النار" واجه حالة من التربّص بعد عرض المقاطع التشويقية له من قبل "دراويش العثمانية والحالمين بعودة دولة الخلافة في سلوك متوقّع، فالملعب ظل خاليا من المنافسين للدراما التركية منذ سنوات ولا يريدون أن يشاركهم فيه أحد".

وقال، إنه اعتمد بشكل أساسي على موسوعة "بدائع الزهور في وقائع الدهور" للمؤرخ المصري محمد بن إياس المكتوبة في ستة مجلدات، وكتاب "انفصال دولة الأوان واتصال دولة بني عثمان" للمؤرخ ابن زنبل الرمال، المعروف أكثر باسم "واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني".

وذكر أن "الكتابة التاريخية لا تعتمد على تسجيل الأحداث فقط، فهناك قراءة بين السطور وتخيّلات عن الأمور التي لم يتم التطرّق إليها، مثل العلاقات بين الشخصيات والصراع في ما بينها، وإشكالياتها تنبع من التعبير عن الواقعة الواحدة بصور متباينة من أطرافها، فرؤية المهزوم تختلف عن المنتصر حتى بات دارجًا أن التاريخ يكتبه الأقوياء".