الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 21:50 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الإسلام بين أندريه جيد وطه حسين

في 26 يناير عام 1939 أبحر الأديب و المفكر الفرنسي الشهير أندريه جيد Andr Gidé  من مارسيليا متجها إلى مصر حيث وصل إلى القاهرة  يوم 30 يناير ثم وصل إلى الأقصر يوم 3 فبراير ، وظل في فندق الأقصر حتى يوم 16 مارس ، ثم قضى بعض الأيام في مدينة الإسكندرية قبل توجهه إلى اليونان ، وعندما علم طه حسين بزيارة جيد لمصر لمرة الأولى ، أرسل إليه ترجمة فرنسية لروايته الأيام  Le livre des jours  مرفقا بها اقتراحا للقاء عند عودته إلى القاهرة . وقد رد جيد على طه حسين في نفس يوم  مغادرته للأقصر قائلا له :
عزيزي طه حسين
لقد قرأت كتابك الجميل  بعاطفة جياشة ، وهو ينبض بين ثناياه بالمشاعر الإنسانية ، والحس العميق و الأخوة التي أجد صداها يترددعلى الفور في قلبي .
وهذا جزء منها :
Mon cher Taha Hussein,
J'ai lu votre beau livre avec une emotion vivre. Il respire de part en part un sentiment de,l'humanité ..
لكن  اللقاء بينهما لم يتم ، وقد اعتذر جيد بسبب ظروفه الصحية ، و أنه لابد أن يذهب إلى الإسكندرية على أمل المجيء إلى مصر في الخريف التالي.
وقد ترجم طه حسين رواية الباب الضيق  La Porte étroite، لأندريه جيد إلى العربية  
حيث أبدى جيد  تعجبه و اندهاشه في رسالة وجهها  إلى طه حسين عام 1945 مستفسرا عن الأسباب التي دفعت (طه حسين إلى ذلك ) ، كما أشار جيد في رسالته إلى أنه حاول كثيرا في كتاباته أن يبرز ويشير إلى الدور التنويري للإسلام ، حيث إنه احتك كثيرا بالأصدقاء و الباحثين المسلمين ، كما زار بعض الدول الإسلامية واستطاع تكوين صورة عن الإسلام و المسلمين ، ورأى بعض ملامح الإنسانية المفقودة . ومع ذلك فقد وجه جيد انتقادا مهذبا للإسلام – من وجهة نظره- بأنه شكل العالم الإسلامي من خلال إعطاء الطمأنينة و الأجوبة  بدلا من التساؤلات المستمرة ، معلقا على ذلك بقوله :فهل أنا مخطئ في ذلك ؟ ربما Me trompé Je ?Il  se peut   
كما اعتبر جيد القرآن مدرسة لليقين و الطمأنينة و أنه لا يدعو إلى البحث !
C? est(le Coran) une ecole d?assurance qui n?invite guére a la rechercher
لكن طه حسين رد على جيد  مبينا له أنه لم يخطئ :
Monsieur,
Mais non , vous ne vous trompez  pas
لكنه لفت نظره إلى ان المسلمين الذين تعرف عليهم بعضهم بسطاء وجهلة ،  كما أن ثمة فريقا آخر من المسلمين  أقرب إلى الثقافة الغربية منهم إلى الإسلام ، وأن هذه الفترة في تاريخ المسلمين ليست مقياسا لأنها فترة عصيبة ، وتمثل فترة تراجع حضاري . وقد وضح طه حسين أن القرآن دعا إلى المعرفة و الاستكشاف وليس الطمأنينة  فقط .، ولكن المسلمين هم الذين أساؤوا فهم القرآن .
وفي خاتمة الرسالة، علق طه حسين على دهشة أندريه جيد بسبب قيامه بترجمة روايته الباب الضيق ، مبينا (أي طه حسين )أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تترجم فيها أعمال جيد إلى العربية ، فقد ترجمت أيضا  السيمفونية الريفية  La symphonie pastoral  ، وكذلك مدرسة النساء ، l?ecole des femmes
ويتضح من تلك الردود اعتزاز طه حسين بثقافته العربية و الإسلامية ، و هو أمر قد يبدو غريبا مع ما هو شائع عنه ، وبخاصة كتاباته عن الشعر الجاهلي و موقفه من الإسلام وأصول الحكم وغير ذلك من المواقف التي تركت انطباعا سلبيا عن طه حسين لدى قطاع كبير من الجماهير العربية .
جدير بالذكر أن أندريه جيد يعد واحدا من كبار الأدباء و المفكرين الفرنسيين ، من مواليد 1869 ، وتوفي عام 1951 ، كما فاز بجائزة نوبل  عام 1947عن روايته اللا أخلاقي  L?immoraliste   . وقد نشأ جيد في أسرة بروتستانتية ، كما مر بكثير من التحولات في حياته ، وقد تأثر كثيرا بعبثية الفيلسوف الألماني نيتشه ، كما اعتنق الشيوعية في بعض مراحل حياته وكان مثليا أيضا .