الجمعة 29 مارس 2024
توقيت مصر 17:28 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الأمة بين البداية المحرقة والنهايه المشرقة والأمل المنشود

السعيد الخميسي
* الناظر والمتأمل فى حال أمتنا الإسلامية شرقا وغربا شمالا وجنوبا يصاب بحالة من الصدمة النفسية وضيق التنفس كأنما يصعد فى السماء من هول وشدة الاختناق . فالأمة متناحرة متقاتلة منقسمة إلى أحزاب وفرق وجماعات وقبائل شتى , كل له وجهته وأيدلوجيته وقبلته التى يتجه إليها بلا تقارب أو تواصل أو تفاهم بين كل فرقها وأحزابها . وهذه الحالة تمثل حالة غروب الشمس المؤقتة وليس الغروب الأبدي للأمة . فقد حفظ الله هذه الأمة من سنن الاستئصال والإبادة الجماعية وذلك ببعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . نعم.. قد تتعرض الأمة للهزيمة والضعف والهوان وضياع الهوية ولكنها لن تزول من على وجه الأرض أبدا لأنها أمة القرآن الكريم وأمة سيد المرسلين .
 وحتى لا أغرق القارئ فى بحر من اليأس والإحباط  وتلاشى الأمل وبروز الألم فإني استشهد بكلام أحد الحكماء البلغاء المصلحين  حين وصف حال الأمة وصفا حكيما بليغا دقيقا قائلا  : " أرأيتم لواحتجبت الشمس فى غمام السماء..؟  أرأيتم لو افتقدنا البدر فى الليلة الظلماء..؟ أرأيتم لو نضب فى الأرض الماء..؟ أرأيتم لو حرمت الأرض من نسمات الهواء..؟ أرأيتم لو اختل ميزان الكون وسقطت على الأرض السماء..؟ أرأيتم لوانقلبت الأرض رأسا على عقب ولم يعد هناك شمال وجنوب يفصل بينهما خط الاستواء..؟ أرأيتم لو اضطرب قانون الجاذبية بين الأرض والسماء..؟ أرأيتم لو كسفت الشمس وخسف القمر واستمرا على هذا الحال..؟ هل يستمر الكون ويستقر..؟ أم أنه حتما ولابد إلى فناء وزوال..؟ عندما  تكسف الشمس  ظهرا وتظلم وتسود , فهل هذا نهاية الكون..؟ أم أنه حدث طارئ شاذ مؤقت وستعود الشمس إلى طبيعتها وإشراقها لتملأ الأرض دفئا ونورا من جديد..؟ حتى الطيور بفطرتها تعلم أن هذا ليس وقت الغروب المعتاد فتأوى إلى أعشاشها لتنام وهى تنتظر لحظة الإشراق لأنها على يقين أن ساعة الفرج على مرمى البصر . من أنبأها هذا ..؟ إنها الفطرة السليمة المدركة  لسنن الكون الإلهية. كذلك أهل الحق يجب أن يدركوا بفطرتهم السليمة وقلوبهم المستقيمة ونفوسهم السوية أن ما يحدث فى الكون ليس ساعة الغروب النهائية الأبدية , ولكنها لحظة مفاجئة مباغتة تشبه كسوف الشمس ساعة الظهيرة , ما تلبث إلا أن تعود لسيرتها الأولى ".
*  نعم أتفق معك آخى  القارئ المثقف أن أنياب الأمية تنشب مخالبها فى جسد الأمة ,  وتمتد ألسنة الرشوة والمحسوبية والوساطة فى كل مكان لتحرق الأخضر واليابس , وتهب أعاصير الطمع والجشع المدمرة من كل جانب فتسقط معها أوراق الأمل الخضراء , وتنقسم الأمة انقسام خلايا السرطان الخبيثة فى الجسد الضعيف الهش فتزيده مرضا ووجعا وألما , ويطمع أعداؤنا فى ثروات أمتنا كطمع الناس فى ثروة اليتيم الذى فقد والديه فى حادث أليم فصار مكشوف الظهر لا ناصر له ولا ملجأ له غير الله . كل هذا وأكثر بكثير حتى صارت أمتنا وكأنها شوك لاورق فيه , وأرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء . نعم .. ضربت أمتنا بما هو أنكى وأشد من القنابل النووية , لقد ضربت بقنابل الفساد المهلكة للحرث والنسل والزرع والضرع. إن جرثومة الفساد فى أرضنا تغلغلت , وفى مقدراتها تحكمت , وفى  أركانها باضت وأفرخت  وتكاثرت  . لكن الله عز وجل حفظها بمنهجها المستقيم
* مما سبق ذكره , يتضح  لنا جليا أن بدايتنا كانت ومازالت محرقة , لكن النهاية إن شاء الله ستكون مشرقة . انطلاقا من الحكمة البالغة : من كانت بدايته محرقة , فنهايته مشرقة . ومن رحم الألم , يولد الأمل . فلإ يأس ولا قنوط من تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية, لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون . ونحن  بالله مؤمنون ,  وبقدره موقنون , وبقدرته واثقون , وأن ما شاء الله كان , ومالم يشأ لم يكن . لقد ضربت اليابان فى عام 1945 بالقنابل الذرية الحارقة في مدينتي " هيروشيما " " ونجازاكى " لقد كانت البداية محرقة , ولكن النهاية كانت مشرقة . فأصبحت اليابان... هى اليابان. أضف إلى ذلك أن اليابان استطاعت بعد هذه المحرقة  اختراع القطار المغناطيسي المعلق  Magnetically levitating train ، وهو قطار يعمل بقوة الرفع المغناطيسية  ,ولا يسير على قضبان حديدية فهو يطفو في الهواء معتمدا على وسادة مغناطيسية يعمل على تكوينها مجالات كهرومغناطيسية قوية، وتمتاز هذه القطارات بسرعتها العالية التي تصل إلى 550 كم \ساعة. وتكلفة هذا القطار فقط مليار دولار . هل يأس الشعب اليابانى من الإصلاح واستسلم للهزيمة..؟ ّ
* إن لنا فى قصة " ماليزيا " فى الحقبة المهاتيرية , نسبة إلى قائد النهضة وصانعها " مهاتير محمد " لعظة وعبرة . لقد تولى رئاسة الوزراء 1981م , حيث كانت ماليزيا غارقة فى وحل الطين والفقر والنزاعات العرقية والخلافات الطائفية . ولكن  فى عام2003م قرر الزعيم الماليزي الانسحاب من السلطة واعتزال الحياة السياسية طواعية وبمحض إرادته وهو في قمة مجده، معطيًا الفرصة لغيره من أبناء وطنه أن يساهم في تطوير وبناء ماليزيا الحديثة.  تمكن من الانتقال بها من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير السلع البسيطة إلى دولة صناعية متقدمة، والعجيب في تجربة ماليزيا المهاتيرية قدرتهم على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العِرْقية الثلاثة وهي: المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%. كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، أي أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة أضعاف ما كان عليه . وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% .
* ياقومنا .. إن تحول الأمة إلى فرق متنازعة , وفصائل متحاربة , وأحزاب متصارعة لن يفيد فى شئ . إن أسياخ الحديد وأكوام الرمل والطوب المتراكمة والمهملة فى عرض الشارع لايمكن أن تبنى صرحا هائلا كبيرا وهى بوضعها هذا . بل بمرور الزمن سيصدأ الحديد ويذوب الرمل ويتحطم  ويتفتت الطوب وتدوسه الأقدام . لابد من بناء ماهر يضع كل شئ فى موضعه حتى يتم اكتمال البنيان حتى يرتفع  ويعلو ويسر الناظرين. إن وضع كل شئ فى مكانه المناسب وفى مرحلته التى يناسبها لهو عين الحكمة . إن كل وساوس اليأس من الإصلاح هى رجز من عمل الشيطان فاجتنبوه . فالنبى صلى الله عليه وسل قال : " لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك " ولا أحد منا يدرى متى يأتى أمر الله . فقد يأتي أمر الله بياتا والقوم نائمون أو ضحى وهم يلعبون . فقدر الله لايعلمه إلا الله . إنني والله على يقين أن أمتنا الإسلامية والعربية ستنعمان بالحرية والديمقراطية والتقدم والرخاء والازدهار . نعم بدايتنا كانت ومازالت محرقة بفعل فاعل , ونهايتنا ستكون مشرقة بسواعد أبنائها , أبى من أبى  , وشاء من شاء . استظلوا بشجرة الأمل فأوراقها وارفة , وأصلها ثابت وفرعها فى السماء . واعلموا أننا نعيش لحظة كسوف الشمس المفاجئة ساعة الظهيرة , وإنها حتما ستعود لسيرتها الأولى , فاصبروا إن الله مع الصابرين . والله من وراء القصد والنية .  فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد .