الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 04:08 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

ثم اكتشفت أن السبب أمي

مع بدايات 2004 جاءنا إلى القاهرة الدكتور عمار بكار مكلفا بتأسيس موقع قناة العربية. عمار كندي الجنسية سوري الأصل، حاصل على الماجستير والدكتوراة من الولايات المتحدة، شاب متفوق ومثقف للغاية، زاملني في جريدة المسلمون نهاية التسعينيات عندما كان لا يزال طالبا في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، ثم تمر الأيام ويتخرج من الجامعة، وينضم إلينا متفرغا، لكن طموحه لا حدود له، فقد حصل على بعثة في أمريكا، وسافر هناك بعد زواجه واصطحب زوجته معه، ثم التقيته بعد سنوات في شيكاغو وهو لا يزال طالبا في مرحلة الدكتوراة.
لم يمض عليه وقت طويل في بعثته حتى اتقن الإنجليزية حديثا وكتابة كأحد أبنائها، ووجه اهتمامه للإعلام الجديد الذي كان بازغا وقتها في الولايات المتحدة. تعمق فيه وأجاد وأصبح واحدا من خبرائه الكبار في العالم العربي، أو من الخبراء القلائل وقتها.
اختار عمار بكار القاهرة مقرا للموقع بسبب التكاليف الأقل وتوفر الصحفيين والخبرات التي يحتاجها، واختار فريقا أوليا للتأسيس يضمني والأستاذ أنس فودة، وهو أيضا متميز للغاية وكان مراسلا لجريدة المسلمون في القاهرة، وأيضا لديه خبرات كبيرة في صحافة الانترنت، وأحد الذين شاركوا عمار قبل ذلك في تأسيس موقع سعودي حقق انتشارا كبيرا، نسيت اسمه للأسف.
لم تكن القاهرة التأسيس الأول للموقع، فقد بدأ عمار من الرياض ووظف صحفيين هناك بالفعل، تقرر أن ينتقلوا إلى القاهرة فيما بعد.
اخترنا  شقة كبيرة في مبنى إداري بشارع السبق القريب من ميدان روكسي في مصر الجديدة مقرا للموقع، وتم تأسيس بنية الموقع من هواتف وأجهزة وانترنت وتعيين مسؤول تقني عمل معنا أيضا في المجال نفسه في الشركة السعودية للأبحاث والنشر بجدة.
في ذلك الوقت كنت مديرا لمكتب المجلة في القاهرة، ولم أترك وظيفتي انتظارا لاستقرار الموقع، إلا أنه وبعد شهرين أو ثلاثة فقط، تم العدول عن القاهرة واتخاذ قرار بالتوجه إلى دبي.
سافر أنس فودة إلى مقر قناة العربية بدبي حيث سينطلق الموقع رسميا من داخله في وقت لاحق. وتلكأت أنا لأنني يجب أن أقدم استقالتي أولا للشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تصدر مجلة المجلة، وقد انضممت إلى الشركة من خلال جريدة المسلمون أواخر 1987، أي أنني كنت قد أكملت فيها نحو 16 عاما متواصلة.
في مايو اتصل بي عمار بكار مؤكدا أن التأشيرة ستصلني مع التذكرة خلال أيام وأن علي الاستعداد للسفر لأن انطلاق الموقع دخل مرحلة الحسم، وبالفعل جهزت نفسي وأخبرته بموعد سفري الذي حددته بالفعل.
في الليل جهزت حقيبتي وودعت زوجتي وطفلي مهند وعمر، فالرحلة على طيران الإمارات صباحا. استيقظت وصليت الفجر وشعرت بتكاسل شديد عن السفر وعدم رغبة لا أعرف سببه، إلا أن شيئا في نفسي كان يقول لي إنني يجب أن أكون قرب أمي في هذه المرحلة، فكم من المرات وضعت رأسي في الحجر الأسود في الكعبة المشرفة داعيا ربي ألا يأتيني خبر موتها وأنا بعيد كما جاءني خبر موت أبي. كم دعوت أن أكون بجانبها وأمام عينيها وهي تغمضهما للأبد. لكن كيف سيتحقق ذلك حتى إذا لم أسافر خارج مصر، وانا أصلا أعيش في القاهرة، وهي في قريتنا بأعماق الصعيد على مسافة 15 كم من الأقصر؟!
رجعت إلى سريري واستغربت زوجتي ذلك فالطائرة لم يبق على إقلاعها الكثير من الوقت. قلت لها وقد حسمت قراري: لن أسافر. ردت: إنك بذلك تحرج صديقك الدكتور عمار الذي رتب كل شيء هناك، فلابد أنهم حجزوا لك في الفندق وأن هناك من سيستقبلك من مجموعة MBC في مطار دبي.
لم أجبها وذهبت في نوم عميق مرتاح النفس لقراري. في العصر جاءني صوت عمار من دبي متسائلا: أين انت؟.. ذهبوا إليك في المطار فلم يجدوك، لعلك خرجت منه مبكرا. فاجأته بقولي: أنا لا زلت في القاهرة. تسائل مرة ثانية: هل فاتتك الطائرة؟.. أجبت بالنفي، وحتى أوقف أي أسئلة أخرى.. قلت له: لن أسافر.
يبدو أنني صدمته، لكنه تحملني بطيبة نفسه المعروفة عنه، وقال بلهجة طبيعية للغاية: إذن أرسل لي استقالتك حتى أقدمها للإدارة هنا واعد تذاكر السفر. وقد فعلت.
فيما بعد بأكثر من شهرين عرفت أن السبب هو أمي كأن الأقدار اختزنت لي ما حدث لكي يتحقق دعائي وأنا احتضن الحجر الأسود.. وتلك قصة أخرى.