السبت 20 أبريل 2024
توقيت مصر 13:34 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

حرية الفكر وأبطالها فى التاريخ

يؤكد سلامة موسى، فى كتابه حرية الفكر وأبطالها فى التاريخ، ضرورة الفكر والإبداع وإقرار الطرفين كحق من حقوق الإنسان الأساسية، مرجعًا سبب الاضطهاد والتعصب الذى يعانى منه المبدعون فور ما يعلنوا عما يجول بخاطرهم إلى عدة عوامل منها الجهل والخوف قائلاً: إن طبيعة الجماعات البشرية تعتاد الجمود ولكن البدع تفوز فى النهاية لأنها وإن كانت تبدأ مع قلة من الأمة إلا أنها لما فيها من ميزات تتغلب على العادات الموروثة.. إن كل تقدم إنسانى لابد أن يكون مصحوبًا ببدعة تتمثل فى فكرة أو عقيدة دينية أو اكتشاف علمى ينكره الناس ويتأخر الاعتراف بهذه البدع ولولا ذلك لما تم اختراع أو اكتشاف على الرغم من الدماء التى أريقت من أجل الأفكار الجديدة فى كل العصور..
ولكن موسى، يشدد على أن الدين فى ذاته لا يمكن أن يضطهد وإنما الذى يضطهد هو السلطة الممثلة فى الدين أو المستعينة بالدين والذين يمارسون الاضطهاد هم رجال السياسة أو رجال الدين ولكن الكهنة أنفسهم لا يمكنهم أن يضطهدوا أحدًا ما لم تكن السلطة فى أيديهم.
ويضيف، وما دام الدين بعيدًا عن الحكومة فإنه لا هو ولا كهنته يمكنهم أن يضطهدوا أحدًا. أما إذا صارت الدولة والدين جسمًا واحدًا أمكن رجال الدين أن يضطهدوا من يشاءون وأن يقيدوا الفكر كما يشاءون. فالاضطهاد الذى كابده الناس فى الماضى من رجال الدين إنما كابدوه لأن هؤلاء الرجال كانوا قابضين على أزمة السلطة فى الدولة.
ويوضح موسى، أن الاضطهادات التى وقعت باسم أى دين فى التاريخ ليست عيبًا على الدين فى ذاته ولكنها شهادة تاريخية على ما يمكن أن يفعله الحاكم حين يسخر الدين لأغراض سياسية.
كما يرى موسى، أن الحكام أكثر شغفًا بالدين والتسلح به من شغف رجال الدين بأمور الحكم، إذ ربما يميل رجل الدين للزهد، أما الحاكم فهو يحتاج إلى الدين لترسيخ سلطته مستشهدًا بمطالبة مكيافيللى للحاكم حماية الدين، ولو كان هو نفسه لا يؤمن به لأن الدين يعاونه على حكم الجماهير وعلى تثبيت سلطانه.
ويقول موسى، إن الأفكار وحدها هى التى مات من أجلها المؤمنون بها فلم يحدث أن ضحى إنسان بحياته من أجل طعام أو شىء يقتنيه، وإنما من أجل عقيدة جديدة آمنوا بها ولم يقرهم عليها الجمهور أو الحكومة وسمعنا أيضًا عن أناس ضحوا بأنفسهم فى سبيل اكتشاف أو اختراع، مضيفًا أن الثورة تكون الوسيلة إذا اتسعت الهوة بين جمود المؤسسات وضرورة التطور التى يرى أن من أجلها شرب سقراط السم راضيًا.
ويفسر ذلك قائلاً: إن سقراط شعر أن شهوة التطور التى تنزع به إلى العلا أقوى من شهوة البقاء وكذلك فعل الذين آمنوا بالعقائد والأفكار الجديدة وهذا يفسر كيف ضحى ألوف البشر وأريقت دماؤهم فى كل العصور من أجل أفكار جديدة بشروا بها.
ويستعرض موسى، محاكم التفتيش فى أوروبا فى العصور الوسطى وكيف قضت على ألوف البشر وكانت تتخذ صورًا مختلفة، منها الاتهام بالهرطقة وكانت طائفة الرهبان الجوالين يتاجرون بالدين يطرقون الناس وينزلون ببيوتهم يأكلون ويشربون هانئين فى رغد فإذا أحسوا بضجر أو إساءة اتهموا رب البيت بالهرطقة ولم يكونوا يخشون شيئًا لأنهم كانوا يعرفون أن المتهم سيقر بالتهمة لفرط ما ينال جسمه من العذاب.
وأضاف، أن سلوك هؤلاء الرهبان ومحاكم التفتيش تسببا فى صعود البروتستانتية وزيادة نزعة الإلحاد فى أوروبا.
ويقول: إن اضطهاد بعض الخلفاء العباسيين مثل المهدى والهادى للملحدين يشبه اضطهاد الكهنة للهراطقة فى محاكم التفتيش على الرغم من أن القرآن الكريم لم ينص على الخلافة.. والإنجيل لم ينص على البابوية.. البابوية والخلافة ترجعان إلى التقاليد المأثورة لا إلى الإنجيل ولا إلى القرآن.
ويرى أنه فى كثير من وقائع الاضطهاد الدينى فى التاريخ، كان رجل الدين يتعلل بالدين وغايته فى الحقيقة السياسة ولولا المصلحة السياسية أيضًا لبقى الدين معتكفًا وحده فى جامع أو صومعة.
ويخلص إلى أن رجال الحكم ورجال الدين، ينظرون إلى المختلفين عنهم فى الرأى أو الدين - تسامحًا أو اضطهادًا- وفقًا للسياق السياسى.
ويعد سلامة موسى (1887-1958) من أبرز طليعة رواد النهضة الفكرية فى مصر والعالم العربى فى النصف الأول من القرن الميلادى الماضى، وأحد مؤسسى تيار العقلانية مع الأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد وعميد الأدب العربى طه حسين وشيخ الأزهر الأسبق مصطفى عبد الرازق.
ومما يذكر، أن سلامة موسى، كتب هذا الكتاب عام 1927 عقب أزمتين أثارهما كتابا الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق، وفى الشعر الجاهلى لطه حسين.