الثلاثاء 19 مارس 2024
توقيت مصر 11:36 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

الحائر بين الدين والعلم والسياسة

لا أستطيع أن أخفي شماتتي في الإلحاد العلمي أو العلم الإلحادي ، وأنا أرى هذا العجز البشري في مواجهة هذا المخلوق الذي لا تراه  العين ، حتى بدا العلم  أمامه قزما  يتخبط  في أنفاق الحيرة  بحثا عن مخرج يحفظ له ماء وجهه ، فرأينا كبرى الدول المتقدمة تعترف بأن الكارثة أكبر من قدراتها الطبية و العلمية . ورأينا هذا العلم المغرور الذي كان منذ أشهر قليلة يعلن عن التحدي والمواجهة مع الخالق  بدلا من أن يقود البشرية إليه ، رأيناه يعترف بقلة حيلته في تلك المعركة التي لم تكن في حسبانه . لابد أن أشمت إذن في غرور ريتشارد دوكنز  وسام هاريس و لورانس كراوس وغيرهم من عتاة الملحدين في العالم  وأذنابهم  من المشوهين في  بقاع الأرض . لقد اطمأن المؤمنون إلى إيمانهم و أيقنوا أن خالق الكون لم يترك مصير البشرية و الأرض في أيدي هؤلاء البرابرة الحداثيين الذين حولوها  إلى كوكب للدماء و القتل و الخراب و الظلم بشكل لم يحدث من قبل منذ بدء الخليقة . ويبدو أن السياسيين والزعماء أقل عجرفة من العلماء الملحدين ، فلم يخجل ترامب رئيس أكبر دولة في العالم من أن يلجأ إلى الله ، وأن يطلب منه العون في مواجهة هذا الفيروس ، ومن أقوال ترامب : نحن دولة على مدى تاريخنا نلجأ إلى الله من أجل حمايتنا و تقويتنا في مثل هذه الأوقات.
We are a Country that, throughout our history, has looked to God for protection and strength in times like these ، وقد وجدت دعوة ترامب صدى واسعا حتى  دعا المجمع المعمداني الجنوبي Southern Baptist Convention كنائسه التابعة له ويبلغ عددها 47500 كنيسة الصلاة دعما للرئيس ، في الوقت الذي توارى فيه رواد تجديد الخطاب الديني  ودعاة التنوير وتنقية التراث عن الأنظار، فلم يستطع أحد منهم أن يعلق على معتقدات ترامب (الرجعية) في عصر العلم ، ولم يطالب أحد منهم بالتحذير من هذا الفكر المتطرف ، أو مواجهة  (الدروشة الغربية ) التي ستمنح المتدينين من أمثالنا قبلة الحياة، وربما تشجعنا على الخروج من (الجحور) التي أدخلونا فيها تحت وطأة (معركتهم التنويرية) ، وكأن الفيروس رسالة سماوية لإحياء الدين الذي تعرض لحرب  شرسة وغير نزيهة من أعداء الدين بدعوى العلم و الاستنارة .و مع ذلك فلم تخل أحاديث بعض الساسة من توظيف تلك الأزمة وفقا للأيدلوجيات التي يؤمنون بها ، فقد اتهم ساسة أتراك الصهيونية العالمية بأنها السبب وراء انتشار فيروس كورونا ، وذلك لتقليل أعداد البشرية . كما زعم الحاخام اليهودي شلومو  أفينر Shlomo Aviner أن هذا الفيروس  عقاب من الله وتمهيد  لعودة  المسيح الذي ينتظره  اليهود ، بل واستطاع تقديم تفسير ديني لتاج كورونا بأنه دليل على استعادة تاج الله  The Crown of God  . كما اجتمع بعض الهندوس في حفل جماعي لشرب بول البقر اعتقادا منهم في أنه يحمي من فيروس كورونا .وفي عالمنا العربي و الإسلامي ، كانت هناك نماذج  تمارس نوعا من الأكاذيب و الدعاية المشابهة . لقد أيقظ كورونا ذاكرة التدين التي كانت تعاني من غيبوبة نشوة التكنولوجيا و التقدم العلمي ، لكن الفيروس لا يزال حائرا بين مؤامرات السياسيين و نبوءات المتدينين و وترقب العلم الذي يحاول أن يحافظ على مكانته التي اهتزت مؤخرا . لكن المؤكد أن (العالم) بعد (كورونا) ليس هو العالم قبله على عدة مستويات سياسية ودينية واقتصادية  ، كما أن الكثيرين الآن يمرون بحالة تشبه (مراجعة الذات) و إعادة ترتيب الأولويات ، والبعض الآخر يفر إلى النبوءات والنصوص التي تتضمن إشارات تحذر من كوارث سوف تصيب البشرية في نهاية الزمان. لقد استطاع كورونا  أن يغير العالم.