الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 21:10 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

ترامبيان


تمجيد  الأشخاص  والزعماء و تخليدهم  وبخاصة الذين قاموا بأعمال بارزة إيجابية أو سلبية على المستوى الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي والعلمي أمر معروف  ومتداول في الثقافات المختلفة  .فهناك العديد من الأيدلوجيات التي تسمت بأسماء منظريها ومنشئيها ، مثل الماركسية  Marxism مثلا نسبة إلى كارل ماركس ، واللينينية Leninism  نسبة إلى فلاديمير لينين وهناك  الهتلرية Hitlerism  نسبة إلى الزعيم النازي هتلر ، وكذلك الحال في عالمنا العربي ، فلدينا الناصرية نسبة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر و الصدامية نسبة إلى الرئيس العراقي صدام حسين و الأسدية نسبة إلى الرئيس السوري حافظ الأسد. هذا في المجال السياسي  ،  .و في مجال الأديان هناك  الأوجستينية والبابية والكلفنية  والأحمدية وغير ذلك من المذاهب و الأيدلوجيات. وفي المجال العلمي والفلسفي هناك الداروينية Darwinism نسبة إلى داروين ،و الكونتية Comtism نسبة إلى أوجست كونت وهناك البوكايزم نسبة إلى الجراح الفرنسي موريس بوكاي الذي أسس لمنهج المقارنة العلمية بين الأديان وإخضاعها للاختبار العلمي ، وقد ذكر ذلك في كتابه الشهير عن القرآن والتوراة و الإنجيل من وجهة نظر العلم ، وكان ذلك سببا أو ربما نتيجة لإسلامه .و في الفلكور الشعبي تنتشر أيضا بعض العبارات الشهيرة التي تحمل أسماء أشخاص سواء بشكل ساخر أو جاد ، فمثلا لدينا التعبير المشهور : زعيط ومعيط ونطاط الحيط ، ويقابله في اللغة الإنجليزية توم ، ديك آند هاري  Tom , Dick and Harry  ويمكن أن تترجم إلى كل من هب و دب . وقد حظي الرئيس الأمريكي ترامب منذ انتخابه بالعديد من الألقاب التي تحمل اسمه على المستوى السياسي و الأيدلوجي والفكاهي الساخر أيضا . وقد دخلت القواميس الإنجليزية و الأمريميكة العديد من المفردات المشتقة من اسم الرئيس الأمريكي ترامب ، فهناك ترامبيزم  Trumpism  ، وتشير إلى الفكر الذي يتبناه ترامب ثقافيا ودينيا واقتصاديا .
وهناك ترامبيكان  Trumpican  وهو الشخص الذي يتبع فكر ترامب دون وعي أو بصيرة ، وقد جاء تعريف هذه الكلمة في قاموس هكذا :
One who blindly supports the policies and beliefs of someone who’s bigoted, homophobic, misogynistic, and completely clueless to our constitution
هو الشخص الذي يدعم بطريقة عمياء معتقدات شخص آخر  (من صفاته) أنه متعصب وضد المثلية وكاره لنساء ، ولا يعرف شيئا عن الدستور .
لكن العجيب أن ثمة كلمة أخرى وهي ترامبيكان  Trumpican بدأت تشق طريقها لوصف الشخص الأحمق و المتهور  . وقد بدأت الكلمة تستخدم بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي ، وكذلك في بعض الصحف و المجلات الشهيرة  منها الجارديان ، والـ نيويوركر.
ومع تصاعد أزمة كورونا وتوالي خطابات ترامب المتناقضة ، ومنها تبشيره بأن دواء هيدروكسيكلوروكين الذي يستخدم لعلاج الملاريا سيكون علاجا فعالا لكورونا ، وبعد أن مات مواطن أمريكي من ولاية أريزونا ، وجهت العديد من النتقادات لهذا الفكر (الترامبيان) غير المبني على أسس وقواعد علمية ، حتى وصفت بعض الصحف الطبيب الفرنسي ديدير راؤول بأنه طبيب فرانسي (ترامبيان)      a Trumpian French doctor   .
لقد استطاع الرئيس الأمريكي ترامب بتصرفاته و خطبه المندفعة و المتناقضة أن يحفر لنفسه عديدا من المصطلحات الأيديلوجية و الفكاهية التي تدل على الرعونة والحماقة والتي سيخلدها التاريخ ، وهو يعيد إلى أذهاننا ما خطه بعض علمائنا من (أخبار الحمقى و المغفلين) ، وهو اسم كتاب شهير لابن الجوزي يذكر فيه تعريف الحماقة وأنواعها وأمثلة لهؤلاء الحمقى من المحدثين والرواة والقضاة و الأمراء وغيرهم ، ومما جاء فيه :
 قال محمد بن زياد‏:‏ كان عيسى بن صالح بن علي يحمق وكان له ابن يقال له‏:‏ عبد الله من عقلاء الناس فتولى عيسى جند قنسرين فاستخلف ابنه على العمل قال ابنه‏:‏ فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مبكر لا يحضر فيه إلا لأمر مهم فتوهمت أن كتاباً ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس فلبست السواد وتقدمت بالبعثة إلى وجوه القواد وركبت إلى داره فلما دخلتها سألت الحجاب هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر فقالوا لم يكن من هذا شيء فصرت من الدار إلى موضع تخلف الحجاب عنه فسألت الخدام أيضاً فقالوا مثل مقالة الحجاب فصرت إلى الموضع الذي هو فيه فقال لي‏:‏ أدخل يا بني فدخلت فوجدته على فراشه فقال‏:‏ علمت يا بني أني سهرت الليلة في أمر أنا مفكر فيه إلى الساعة قلت‏:‏ أصلح الله الأمير ما هو قال‏:‏ اشتهيت أن يصيرني الله من الحور العين ويجعل في الجنة زوجي يوسف النبي فطال في ذلك فكري قلت‏:‏ أصلح الله الأمير فالله عز وجل قد جعلك رجلاً فأرجو أن يدخلك الجنة ويزوجك من الحور العين فإذا وقع هذا في فكرك فهلا اشتهيت محمداً صلى الله عليه وسلم أن يكون زوجك فإنه أحق بالقرابة والنسب وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عليين فقال‏:‏ يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا فقد فكرت فيه ولكن كرهت أن أغيظ السيدة عائشة‏.‏
 إن ذلك إذن نوع من الخلود ، ولكنه خلود مذموم .