الجمعة 19 أبريل 2024
توقيت مصر 01:25 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

هزيمة يونيو.. قراءة أخرى

نطالع في وثائق حرب الأيام الستة التي ظهرت لاحقا، إن إسرائيل  كسبتها في أول 3 ساعات من صببحة 5  يونيو بالموجة الأولى من الهجوم الجوي المباغت الذي استهدف عشر قواعد جوية مصرية، وقد استمرت هذه الموجة 80 دقيقة، وبعدها بعشر دقائق استهدفت الموجة الثانية 14 مطارا، وبنهايتها، أي بعد 3 ساعات كان الطيران الإسرائيلي قد تمكن من تدمير 209 طائرات مقاتلة وقاذفة مصرية، من أصل 340 طائرة حسب البيانات الإسرائيلية، منها قاذفات القنابل الثقيلة التي يمكنها قصف العمق الإسرائيلي.
رغم ذلك نفذت الطائرات المصرية المتبقية 140 طلعة فوق سيناء، وأسقطت بالاشتراك مع المضادات الأرضية في اليومين الأولين 19 طائرة حسب البيانات الإسرائيلية.
 كان يمكن تفادي الهزيمة لو بدأت سوريا بهجوم كما فعلت الأردن بمشاركة العراق، لكنها ظلت مترددة في اليومين الأولين وقامت فقط بغارات جوية وقصف متقطع على شمال إسرائيل رغم  أن الطيران المعادي هاجم مطاراتها القريبة مساء 5 يونيو ودمر ثلثي سلاحها الجوي. ولم تدخل سوريا الحرب فعليا إلا فجر 9 يونيو عندما غزت قوات إسرائيلية الجولان وأثبت التحصينات السورية وجاهزية قواتها أنها كانت ستخفف من الضغط على الجبهة المصرية لو تدخلت مبكرا.
رغم تدمير سلاح الجو المصري على الأرض، كانت مصر تملك مضادات أرضية فعالة يمكنها التصدي للطائرات المغيرة، لكنها لم تستخدم، كما أن القرار السياسي بسحب القوات من سيناء كان خاطئا، فالمسافات الشاسعة في صحراء مشكوفة أمر منهك خصوصا في ظل عدم توفر غطاء جوي وتحت ملاحقة طيران العدو.
مباغتة الطائرات في قواعدها وتدميرها ليست عبقرية إسرائيلية مبتكرة  كما صورها الإعلام الغربي. كانت استنساخا لعملية قام بها الألمان في عهد الرايخ الثالث واستهدفت المطارات السوفيتية عام 1941 ودمرت مئات الطائرات على الأرض، لكنها لم تحسم الحرب بفضل الأسلحة الأخرى، وهذا كان واردا في حرب يونيو لو لم نعلن خسارة الحرب سريعا. حاولت إسرائيل إنزال جنود بحرية قرب ميناء الإسكندرية تم إبادتهم .
لو تلقت مصر شفرة الرادارت الأردنية بانطلاق أسراب الطائرات المعادية نحو القواعد المصرية لتغيرت نتائج الحرب. الشفرة لم تصل للمطارات المستهدفة لمبررات غير منطقية منها سوء حالة الإتصالات.
إسرائيل أعلنت بنهاية الحرب مقتل 24 طيارا إسرائيليا وفقد 7 آخرين وسقط 11 في الأسر. كيف حدث ذلك بينما سيطروا على الأجواء سيطرة كاملة؟..
كانت قاعدة المفرق الأردنية هي الهدف التالي بعد تدمير الطائرات المصرية والسورية،  رغم العدد القليل الذي يمتلكه سلاح الجو الأردني، لكن طيارا باكستانيا يعمل مستشارا لديهم كان يحلق فوق القاعدة مع بعض الطائرات الأردنية والعراقية، ترقبا لأن تستهدف الهجمات الجوية قاعدتهم بعد أن انهت مهمتها سريعا في مصر.
هذا الطيار اسمه في المصادر الباكستانية سيف الله أعظم وفي المصادر العربية سيف الله عزام. من مواليد باكستان الشرقية التي انفصلت فيما بعد عن بقية باكستان باسم بنجلاديش.
كان طيارا مقاتلا في القوات الجوية الباكستانية وحصل على دورة في قاعدة Luke Air Force الأمريكية في أريزونا.
اشتبك أعظم مع الطائرات الإسرائيلية خلال موجتين متتاليتين من الهجمات على القاعدة الجوية الأردنية، وتمكن بمفرده من إسقاط طائرتين، وعندما أكمل الطيران الإسرائيلي تدمير القاعدة ، توجه طياروها الأردنيون مع آخرين باكستانيين من بينهم “أعظم” إلى العراق للدفاع عن قاعدة جوية عراقية كان متوقعا أن تستكمل بها إسرائيل تدمير طيران الجيوش العربية.
فوق سماء العراق دارت معارك طاحنة ظهر فيها تفوق سيف الله أعظم على نظرائه الصهاينة، أسقط طائرتين وتم أسر ثلاثة طيارين، في حين مات الرابع من الخوف دون أي إصابة، بمجرد وقوعه في أيدي العراقيين.
أي أن الطيار الباكستاني سيف أعظم أسقط 4 طائرات في  72 ساعة.
المصادر الباكستانية تؤكد أن مجموع ما أسقطه الطيارون الباكستانيون في حرب يونيو عشر طائرات.
لمحات مضيئة اختفت وراء مرارة الهزيمة وسخرية الناس خصوصا نكات المصريين، فالطيران العراقي مثلا شن نحو 50 غارة في العمق الإسرائيلي بعضها بالقرب من تل أبيب ونتانيا، رغم المسافة البعيدة نسبيا من مطاراتها في العراق، وانتهت المعارك الجوية فوق السماء العراقية لصالح الطيارين العراقيين والأردنيين، وقد بثت إذاعة بغداد يوم 6 يونيو لقاء مع الطيارين الأسرى الذين سقطت طائراتهم، عبروا فيها عن دهشتهم من الأداء العالي للطيارين الذين تصدوا لهم.
لو قدر للجيش العراقي المشاركة الكاملة والوقت الكافي كانت النتائج ستتغير حتما.
كتب الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض في تقريره عقب نهاية الحرب أن مشاركة العراق كانت محدودة، والحقيقة أن ذلك راجع لسوء الأداء السياسي للزعامات فخلافات جمال عبدالناصر والملك حسين انتهت فقط يوم 30 مايو، قبل الحرب بنحو 6 أيام، عندما زار الملك حسين القاهرة ووقع مع عبدالناصر اتفاقية الدفاع المشترك، وحينها اتصل الرئيس العراقي عبدالرحمن عارف بالرجلين معبرا عن  ابتهاجه بانتهاء خلافاتهما استعدادا للحرب، وفي اليوم التالي أرسل عارف نائب رئيس الوزراء إلى القاهرة ليوقع اتفاقية الدفاع المشترك مع الدولتين، أما سوريا فكانت أصلا متحالفة مع مصر.
كانت الحرب تبدو في الأفق منذ أبريل عندما هاجمت الطائرات الإسرائيلية سوريا وأسقطت 6 طائرات سورية، فاستعجل عبدالناصر في رد فعله وأرسل إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت في منتصف مايو طالبا خروج قوات الطوارئ الدولية من سيناء. ثم استعجل مرة أخرى وربما هي الخطيئة التي أدت إلى الحرب قبل الاستعداد لها، وذلك عندما أغلق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية.
ودع الرئيس عارف قوة من الجيش العراقية يوم 23 مايو لترابض على الجبهة الأردنية وأخرى إلى سوريا، وكان ابنه قيس ضمن القوات المرسلة إلى الأردن وقال إنه فضل الواجب على العاطفة.
لو تأخرت الحرب أسبوعا واحدا أو تقدم حل الخلافات السياسية العربية شهرا، لتغير مجرى الحرب، فبغداد دعت دول النفط العربية لقمة يوم 4 يونيو عشية الهزيمة لأجل شن حرب النفط ووقف شحنه إلى الولايات المتحدة ودول الغرب، وإحداث ما أطلق عليه عارف مجاعة نفطية، لكن الهجوم الإسرائيلي وانتصاره السريع، عطل ذلك.
السياسة الخاطئة وليس سوء الاستعداد العسكري هي التي هزمتنا، فمعظم الجيوش العربية كان ميزانها العسكري جيدا، وكانت مجتمعة تفوق الميزان العسكري للعدو.
أوضح دليل أنه بعد 4 شهور فقط ، في 21 أكتوبر  67 دمرت 4 صواريخ سطح -سطح أطلقها لنشان مصريان المدمرة إيلات.
وفي عام 68 نجحت مصر بعملية نوعية في تدمير الحفار الإسرائيلي الذي كان ينقب على البترول تحت مياه خليج السويس.
الجيش الإسرائيلي حمار وحشي جعلناه برأس أسد بسوء تخطيطنا السياسي وبطء استيعابه وردود فعله. طيار باكستاني واحد أسقطهم من نشوة عليائهم.