الجمعة 29 مارس 2024
توقيت مصر 00:11 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

أمريكا.. ماذا فعلت بحلمهم الجميل؟

الحمد لله أننا أبناء ثقافه وحضارة عرفت المعنى الحقيقى والكامل لفكرة (المساواة بين البشر)..نص على ذلك كتابها (القرآن)والنور الذى سار وعاش به نبيها(السنة)..ويروى لنا التاريخ أن أحد أعظم الرجال الذين أنجبتهم هذه الحضارة دخل ذات مرة على مجلس فيه رجل(أسود)فقبل يده قائلا : سيدنا وأعتقه سيدنا ..(عن بلال وعمر وأبوبكر أتحدث)..مع كل الاعتذار لتيار(الخوارج الجدد)الذى لا يحب حضور هذه الأسماء فى سماء ثقافتنا..حتى وإن كانت فى المسلسلات الدرامية..مع الإعتذار أيضا لـتيار(المبدعين الجدد)مثل(إسلام حافظ ورؤوف عبد العزيز...).
حضارتنا الإسلامية العظيمة تمثل فيها ثقافة الحض على (الحرية والمساواة) نصا مؤسسا ..ففى سورة(البلد)نقرأ (فلا اقتحم العقبة /وما أدراك ما العقبة/ فك رقبة..) إقتحام(العقبة)التي لا بد من اقتحامها للوصول إلى رضى الخالق العظيم ودخول جنتة بعد أن نموت.. يتطلب أن يقوم المؤمن فى دنياه بعمل جليل وكبير من أعمال الخيرات كتحرير(عبد) كما تذكر الأية الكريمة..وأيضا العديد من مجالات الاصلاح الاجتماعى كما تكمل الأية.
****
يقول الباحثون أن أمريكا هى أول دولة فى التاريخ الحديث تتكون من قارة كاملة..وأطلقوا عليها أرض الحلم والحرية والوعد والبشارة والرفاهية كما قال الكاتب جيمس ادامز(1878-1949م) فى كتابه (الملحمة الأمريكية) وهو أول من اخترع مصطلح (الحلم الاميركي) ووصفه بأنه الحلم بالأرض التي تكون فيها الحياة أفضل وأغنى وعلى أكمل وجه للجميع..
هذه الأرض الواعدة بالحلم الجميل استغرقت أكثر من مائة عام (1861 الى 1963م)حتى يتحقق فيها الإقرار بالمساواة بين البشر..وكلمة يتحقق مجازية لأنه فى الحقيقة لم يتحقق وتخلل هذه المائة عام والتى تمتد الى يومنا هذا نضالا كبيرا من الرجل الأسود ورفضا عنيدا من الرجل الأبيض للحق الكامل والحقيقى فى هذه المساواه التى هى ببساطة بالغة عدم اعتبار(لون الجلد)معيارا لتصنيف الناس ..أعلى وأدنى .
****
هناك إصرار عميق على بقاء هذا التصنيف.. خفى ومكتوم أحيانا ومعلن وعنيف أحيانا ..وما حادثة(جورج فلويد) إلا أحد أشكال الإعلان العنيف عن ذلك ..القاتل (مواطن)أبيض كان فى مهمة (عمل).. بمعنى أنه كان يمثل حالة (أهلية ورسمية).. والمقتول كان (مواطن)أسود .. اختصر كل المعاناة التاريخية لقومه من السود فى ثلاث كلمات: (أريد أن أتنفس)..و لو أن أعظم المخرجين وكتاب السيناريو فى العالم أخرجوا مشهدا سينمائيا فى ساعة وليس فى 9 دقائق كما حدث فى الحقيقة مع (جورج ).. ما استطاعوا توصيل رسالتهم بكل هذه القوة والنفاذ والتأثير..لكنها الحقيقة فى أم عينيها والتى تأبى إلا أن تعلن عن نفسها بكل هذا الانفجارالذى يراه العالم..وفى توقيت عبقرى (كورونا/ترمب/وأزمةاقتصادية) ..الثلاثى القدرى الذى التقطته الصين والقت به فى وجه العالم كله لا أمريكا وحدها .. وسواء كان ذلك ثأرا منها  لقرن الذل والمهانة (1849 1949م) من هذه الحضارة التى تبغض (الأخر/من ليس أبيض ولا مسيحى)دعونا نتذكر الـ 40 مليون صينى تقريبا الذين ماتوا فى حرب الأفيون التى شنتها عليهم حضارة الرجل الأبيض!!..أو سواء كان ذلك استعدادا لمواجهة قادمة يتمناها ترمب..أيا ما كان ..الحاصل أن قناة الصين الموجهه بالعربية  نشرت مقالا على موقعها 27/4 بعنوان: (إدارة ترمب تحتاج إلى تحمل المسئولية عن الأوبئة الثلاثة)الأول هو فيروس كورونا الذى خُطط له أن يصيب الصين أولا_هكذا قال المقال_ والثانى الأزمة الاقتصادية التى تجتاح أمريكا والعالم ..والثالث التمييز العنصرى .
****
لم تشهد أمريكا انقساما على نفسها منذ الحرب الأهلية الأميركية (1861 - 1865) كما تشهده اليوم.. مستقبل التعايش الطبيعى بين السود والبيض فى أمريكا محل شك كبير فالعنصرية لازالت حقيقة راسخة في المجتمع الأمريكي ..الحرمان من الحقوق المدنية هو من الأمور التي يعاني منها السود تاريخيا ولازالوا.
إحدى الكنائس ترفض تزويج السود ..اعتقالات وحملات تفتيش وإطلاق نار من الشرطة على مدنيين سود غير مسلحين ..40% من المساجين سود مع إن نسبتهم فى المجتمع 13% وغير ذلك من الأمثلة .
يعاني السود أكثر من غيرهم من سوء الأحوال الإقتصادية..مهمشون..عاطلون..فقراء وتحت خط الفقر(خط الفقر فى أمريكا 19 الف دولار سنويا لأسرة من أربعة أفراد)! .. لكن هذا ليس كل شىء.             
****
في 1ديسمبر 1955 م وفي مدينة مونتجمري بولاية ألاباما تم القبض على سيدة تدعى روزا باركس(توفيت عام 2005م) لجلوسها في الكراسى الأمامية لحافلة .. فقرر زملاؤها مقاطعة حافلات المدينة .. 50 ألف أمريكي أسود قرروا إعتراضا على القبض على (روزا)السير يوميا على أقدامهم من منازلهم إلى أعمالهم لمدة 381 يوما.. بعدها قامت المحكمة العليا 13/11/1956م بحظر الفصل العنصري في وسائل النقل العام .. وكانت تلك الخطوة من أوسع الخطوات للأمام في اتجاه حصول الأمريكي الأسود على حقوقه المدنية..
وفي عام 1963 م شهدت البلاد أكبر مظاهرة في تاريخ سعى السود للمساواة..اشترك فيها ما يقرب من 250 ألف أمريكي منهم نحو 60 ألفا من البيض وتوجهت إلى النصب التذكارى للنيكولن الرئيس الـ16 لأمريكا والمعروف في تاريخها بتحرير العبيد.. يومها ألقى مارتن لوثر كينج أروع خطبه على الإطلاق..(لدي حلم) الخطاب الذي يعد أيقونة في تاريخ الظلم والمظالم والكفاح العنيد لنيل الحرية والكرامة .. وفي نفس السنة صدر قانون (الحقوق المدنية) للمساواة بين جميع المواطنين الأمريكيين ..بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين وهو القانون الذي رعاه الرئيس جون كينيدي الرئيس الـ35 لأمريكا.. وصدر فعليا بعد اغتياله في نفس السنة.
كان من رموز تلك الفترة التاريخية في أمريكا من دعاة الحقوق المدنيةالسود الزعيم المسلم مالكم إكس (قتل في 1965م) والذي يعد من أعظم الأمريكيين الأفريقيين تأثيرا في التاريخ الأمريكي..بالطبع مع مارتن لوثر كينج الذى قتل أيضا عام 1968م.
****
دوايت ايزنهاور الرئيس الـ 34 فى تاريخ أمريكا و أحد أهم الرؤساء الامريكيين على الإطلاق .. كان رجلا مثقفا ومفكرا كبيرا وجنرالا.. حارب فى الحربين الأولى والثانية ..وأصبح أول قائد لحلف الاطلنطى(الناتو)عام 1951 م  ورئيس لجامعة كولومبيا ثم رئيسا لأمريكا من 1953-1961م ..وترك مذكراته الهامة فى كتاب بعنوان(حرب صليبية فى أوروبا).
هذا الرجل قال كلاما خطيرا للغاية فى أخر خطاب له كرئيس لأمريكا .. وهو الكلام الذى له علاقة تفسيرية وثيقة بما تشهده أمريكا الأن قال : إن الاجتماع بين المؤسسة العسكرية الضخمة(البنتاجون) وزارة الدفاع والصناعات العسكرية الكبيرة مع الشركات الصناعية الكبرى هو شيء جديد في التجربة الأمريكية.. ونحن نعترف بالحاجة الحتمية لهذا التطور.. لكن علينا ألا نخفق في استيعاب تبعاته الهائلة.. كدحنا ومواردنا ورزقنا وكذلك بنية مجتمعنا ذاتها تتأثر بهذا التطور.. يجب علينا الاحتراس من النفوذ الذي لا مبرر له من (المجمع الصناعي العسكري) هكذا أطلق عليه.. وأضاف: لا يجب علينا أبدا أن نترك أثر هذا الجمع  يعرض حرياتنا وعمليتنا الديمقراطية للخطر..فقط المواطنة المتنبهة والعارفة هي التي ستحفظ التشابك المناسب بين (الصناعات الكبرى والآلة الدفاعية)من جهة .. وطرقنا السلمية وأهدافنا من جهة أخرى..وذلك حتى يزدهر الأمن والحرية معا..
تحذير ايزينهاور ذهب هباء فقد كان الواقع الحقيقى لقصة(أمريكا الدولة القارة)فى التاريخ البشرى أقوى من كلماته وتحذيراته وتمكن هذا(المجمع الصناعى العسكرى)من السيطرة التامة على كل شىء فى أمريكا .. الحزبين(الديمقراطى والجمهورى)..الكونجرس ..الرئاسة..الاعلام..التعليم.. السياسة الخارجية ..وأصبح (النفوذ الذى لا مبرر).. له كما حذر الرجل.. نفوذا حقيقيا يصنع واقعا خطيرا ومضطربا.. ولم يعد أحد يعرف هل أمريكا دولة بيضاء مسيحية (كما يقول ترمب وقاعدته الإنتخابية فى حرب الكراهية والكذب والمعلومات المفبركة التى يشنها على العالم وليس أمريكا فقط )؟ أم هى دولة التنوع والتعايش والمساواة ؟ كما قال الأباء المؤسسون فى دستور 1776م.