الثلاثاء 23 أبريل 2024
توقيت مصر 10:38 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

على هامش المظلومية الإثيوبية

مع أن إثيوبيا ضمن أسرع الاقتصادات نموا في العالم فإنها تربة خصبة للفوضى بسبب وحدتها المشدودة بين طرفين رخوين مهددين بالنزاعات العرقية.
تبدو دولة واحدة من 105 ملايين نسمة، لكنها وحدة شكلية غير مستقرة تتكون من مجتمعات عرقية متعددة الثقافات واللغات ومتصادمة مع بعضها وتعاني أمنيا بشدة .
موزعة بين 9 ولايات إقليمية على أسس عرقية، وشعوبا مختلفة وليس شعبا واحدا، إضافة إلى مجموعات عرقية أخرى لا زالت تطالب بأقاليم تتمتع بحكم شبه ذاتي. 
ولذلك نجد أن بعض المشروعات القومية الكبرى كسد النهضة لا يحظى في الواقع بإجماع بين الشعوب الإثيوبية، فتكلفة وصول فوائده كالطاقة الكهربائية إلى ولايات بعيدة مكلفة للغاية نظرا لتشييده على طرف حدودي، مما جعله في نظر بعض الأقاليم أداة تقسيم وفرقة وتمييز عرقي.
خذ مثلا شعب سيداما، وهو مجموعة عرقية تشكل نحو 5% من سكان إثيوبيا، أي أكبر  المجموعات العرقية الست في إقليم الأمم الجنوبية، يطالب هذا الشعب بإقليم خاص به، بل هددوا بإعلانه من جانب واحد إذا لم تسمح لهم الحكومة الفيدرالية بإجراء استفتاء عليه. ويكفل الدستور الإثيوبي لكل الجماعات العرقية حق التصويت على إقامة إقليم جديد إذا طلب قادتها ذلك كما فعلت سيداما في 18 يوليو 2018.
سيداما ليست وحدها التي طالبت بإقليم بل هناك جماعات عرقية أخرى تسعى له، والاستجابة لها سيؤدي لفوضى في دولة تريد أن تظهر أمام العالم والاستثمار الأجنبي ككيان واحد، ورفضها يعني تشغيل ماكينة العنف، ومن هنا يحاول أبي أحمد ورفاقه في الإئتلاف الحاكم الهش إشغال الشعوب الإثيوبية بقضية قومية توحدهم، وهي التي وجدها في سد النهضة، وإطلاق دعاية بأن هناك حربا قد تشن عليهم لتدميره أو حرمانهم من السيادة على المياه، وأنهم ذاهبون إليها.  
وتركز تلك الدعاية الرسمية على الحشد لحرب وشيكة رغم أن أي دولة لم تهدد رسميا بذلك ولم تبد أي خطوات نحو مواجهة عسكرية.
يمزج أبي أحمد وإئتلافه بين تلك الدعاية المتوهمة وبين إدعاء المظلومية التاريخية، بحرمان الشعوب الإثيوبية من خيرات مياه تنبع من أرضهم ليستفيد منها المصريون الذين يجدون مياه الشرب والري والكهرباء ولا يجده الإثيوبيون.
وهي مظلومية تدرك الجماعات العرقية تضليلها، فجريان النيل يأخذ اتجاهه نحو مصر وليس عكسيا، وهناك العديد من الأنهار داخل إثيوبيا التي أهملتها الحكومة الفيدرالية ولم تستفد منها لصالح الأقاليم البعيدة والنائية فظل أكثرية الإثيوبيين بلا مياه شرب نقية أو كهرباء بسبب  تقصير أديس أبابا.
في ظل هذا الإهمال تنشط المطالب بأقاليم جديدة لأنها  ستضمن لهم حقوقا مثل جباية بعض الضرائب واختيار اللغة الرسمية وإدارة قوات أمن خاصة وسن قوانين بشأن قضايا مثل التعليم وإدارة الأراضي.
غير شعب سيداما توجد ثماني مجموعات عرقية أخرى على الأقل تسعى للحصول على وضع إقليم.
وهناك خصومات  طال قمعها بين ما يزيد على 80 جماعة عرقية في إثيوبيا والتي أجبرت نحو 2.4 مليون شخص على النزوح من منازلهم وتسببت في مقتل المئات.
وكان رئيس الأمن في ولاية أمهرة قاد في نوفمبر من العام الماضي ما وصفته الحكومة الاتحادية بمحاولة انقلاب قتل خلالها العشرات من بينهم خمسة من كبار المسؤولين. 
إذن موضوع سد النهضة ليس مجرد ورقة انتخابية ستنتهي بنهاية الانتخابات بل تجربة محفوفة بكثير من المخاطر لتوحيد دولة ذات أنسجة متعددة هشة.