الخميس 25 أبريل 2024
توقيت مصر 06:34 ص
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

تدويل السد وانسداد المناخ

تدويل قضية سد إثيوبيا تأخر كثيرا وكان يجب التبكير به لأن الإتجاه إلى المفاوضات الثلاثية فقط جعل الوقت يجري في صالح الانتهاء من بناء السد وتحويله إلى أمر واقع وسيصعب جدا وقف خطة الملء التي قرروها.
مجلس الأمن سيجتمع الاثنين في جلسة مفتوحة لمناقشة الموضوع بناء على طلب واشنطن. صندوق النقد الدولي أوقف تمويل السد لسبب يتعلق بتوحيد سعر الصرف في إثيوبيا وبلا أدنى علاقة بالخلاف الحالي بين الدول الثلاث.
أديس أبابا تدير حاليا التدويل بأسلوب سياسي به الكثير من المهارة الدبلوماسية والإعلامية. الخرطوم برغم مخاطبتها مجلس الأمن أيضا تلعب بالبيضة والحجر. لا ترغب في خسارة أديس ولا إثارة حفيظة القاهرة لكن رأيها العام وسياستها الرسمية تظل أقرب عاطفيا إلى الجارة الحبشية، ربما لأسباب تاريخية لا ذنب للقاهرة فيها، فقد كانت تحت إدارة الاحتلال الإنجليزي في ذلك الزمن السحيق.
تحتاج مصر إلى ساسة صقور وحمائم على الموائد الدولية. إلى مناخ عام داخلي يتمتع بالانفتاح الفكري والثقافي وحرية الرأي وعدم تجريم الحديث في قضايا كالسد مرتبطة بالحياة والموت.
التدويل لا ينجح بالدفع الذاتي. أديس تقدم نفسها الآن باعتبارها دولة حريات وديمقراطية ومجتمع متعدد الهويات متشعب الثقافات، يجمعها مناخ عام من الرأي والرأي الآخر.
على الموائد الدولية ، تحظى تلك الروح بالتأييد والتعاطف والثقة. لذلك نجد الإثيوبي يتحدث كصقور داخليا وكحمائم دوليا، وهو ما نستحقه كمصريين، لنا تاريخ طويل مع السياسة والحريات والصقررة إذا كان لابد منها، لكن التاريخ يتحول إلى أرشيف لا جدوى منه إذا افتقدنا الأدوات نفسها في حاضرنا.
لإثيوبيا إتصال قوي ومؤثر مع الإعلام الدولي، بينما نكتفي نحن بإعلام التوك شو الفضائي الذي يصل أقصى مدى لتأثيره، نجع الترامسة على أطراف أسوان، إن وصل أصلا.
في التدويل.. العالم يسمعهم هم، ونحن قد نسمع أنفسنا ونكرر ما نقوله.
وما يقال عن الإعلام شبه المنغلق والمحصور في فئة لا يمكن أبدا أن تكون ذات تأثير دولي أو داخلي ، يقال أيضا عن مدرسة وزارة الخارجية العريقة التي أغلقت أبوابها منذ غروب شمس آخر وزراء خارجيتها الذين جمعوا بين قوة المناورة وسداد الرأي وعمق الحجة.
في مفاوضات استقلال مصر ثم جلاء الإنجليز  وكامب ديفيد وتحكيم قضية طابا جمعت الطاولة المصرية دبلوماسيين من الصقور وآخرين من الحمائم.. استغلوا أحسن استغلال، ووراءهم إعلام تعددت وجوه نخبته، يعرفهم الفلاح الخارج إلى زرعه في نجع الترامسة كأنهم من أسرته أو من بلدته.
القاهرة مليئة بتلك الكفاءات حاليا ومستقبلا، لكن الأرض لا تكشف عن ثرواتها وخصوبتها تحت الصوبات، لا تقدم منتجا ذواقا بتربة صناعية وشمس محجوبة .
نحن أحوج إلى مصارحة أنفسنا بأخطائنا ومثالبنا. يجب ألا تغضبنا الحقيقة ويتم التضييق على العباد بسببها، فكلنا سنضار في النهاية.