الأربعاء 24 أبريل 2024
توقيت مصر 22:53 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

مجاعة لبنان

هذا البلد العظيم المثقف الذي طالما وصف قبل الحرب الأهلية بواحة الديمقراطية والليبرالية في عالم عربي مخنوق بالديكتاتوريات، يتعرض لمجاعة وأزمة اقتصادية خانقة ليس لها نظير في الماضي والحاضر .
تتصل سيدة أنهكتها بطن خاوية بقصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية، طالبة إيقاظ الرئيس ميشال عون من النوم لأن الشعب يموت من الجوع.
وينقل فيديو بثته قناة العربية صرخاتها وأنفاسها المتقطعة لمن يكلمها على الطرف الآخر: وعوه (أيقظوه) .. وعوا البابا.. بابا كل اللبنانيين (أي الرئيس).. لماذا تتركونه نائما. الشعب بيجوع. كيلو السكر بستة آلاف ليرة، والخبز بثلاثة آلاف.
صرخات واستغاثات لن تجد لها إجابة بالتأكيد ، فماذا عساه أن يفعل الرئيس في مواجهة أزمة خانقة مميتة؟!.. الناس لم تكتف بالاستغاثة والرجاء، بل سجلت حتى الآن ثلاث حالات انتحار والحبل على الجرار.
لبنان كانت دائما نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الحال في العالم العربي منذ بدء حربها الأهلية في السبيعينيات. حينها سمعنا الرئيس الراحل السادات يقول قولته المشهورة "ارفعوا أيديكم عن لبنان".
لم يرفع أحد يده، بل انغمست كل الأيادي الخارجية لتقضي على بلد قدم لعالمه الشرق أوسطي كوكتيلا رائعا من الثقافة والفن والجمال، من صناعة الطرب إلى صناعة الكتب، ومن صحافة حرة وصحفيين مبدعين، إلى مهجع للباحثين عن الراحة والأمان والإبداع النفسي والفكري والحياة الهادئة الوادعة.
في عام 1975 وكنت تلميذا في الإعدادي، أوجعتني الحرب الأهلية التي بدأت تدمر الجمال في لبنان وتحوله إلى قبح ودماء، فكتبت مقالا بعنوان "انقذوا لبنان قبل أن تقطع جهيزة قول كل خطيب" وأرسلته إلى الدكتور رشاد رشدي وكان رئيسا لتحرير مجلة ثقافية اسمها "الجديد" وفوجئت به ينشرها على الصفحات الأولى بفونت أسود كبير. وكان أول مقال ينشر لي في الصحافة المكتوبة التي كانت تجلس متوجة على عرشها في ذلك الزمن.
لم يتقدم أحد لإنقاذ لبنان، وقطعت جهيزة قول كل الخطباء ثم ولت هاربة تاركة الأرض الجميلة بموقعها الفريد ساحة للحروب بالوكالة، وتصفية الحسابات السياسية، والميليشيات المتقاتلة المتناحرة، والأحزاب التي تتاجر بالوطن لحساب قوى إقليمية.
الوضع في لبنان ليس أزمة اقتصادية هوت فيها الليرة إلى أسفل سافلين في مواجهة الدولار، ولا صعوبة الحصول على ربطة خبز، ناهيك عن استحالة الحصول على كيلو جرام من اللحمة.
إنه أصعب بكثير جدا. هل في الإمكان تحريره من حزب الله وبالتالي من وكلاء إيران. كيف يمكن تقديم خطة إنقاذ دولية شاملة تعيده إلى ما كان عليه في الماضي. هل ترفع الدول الخليجية غضبها وتقدم خطة دعم سريعة وعاجلة؟!
متى تكون في لبنان دولة واحدة وجيشا واحدا ودعما موجها للبنانيين فقط، لا دولارات يتم تهريبها إلى سوريا ومنها إلى إيران، ناهيك عن مواد الدعم التموينية والطبية.
البابا ليس هو رئيس الجمهورية ميشال عون وحده. هناك عشرات كل منهم يدعي أنه البابا والحكومة والشعب أيضا، لكنه بابا لحروب وصراعات الوكالة عن دول إقليمية.